لا يشقى جليسهم

Mohamed Saif published on
2 min, 316 words
وَأَحَبُّ المجالس إليّ ما تَحَدَّث فيه الجَالِسُونَ عن نفوسهم واشتغالهم بها: جُلساء لا يخجل أَيّهُم الحديث عن مرضٍ وجده في نفسه وكيف عالجه، وآخرُ يحكي عن تجربته في مراقبة نفسه وما وصل إليه من خصائصٍ فيها، بخجلٍ نتحدثُ عن أخطاء الماضي، ويحيلُ بعضنا موادًا نافعة لتزكية النفوس ومعرفة سبل التعامل الحكيم معها، نتذكرُ شخوصنا القديمة: مشاكلها وآمالها، نتفحصُ ما ورثنا من هذه الشخوص وكيف تعقدت مشاكلنا وتواضعت آمالنا، نستشعر لُطف الله وستره، نُعدد زوايا النفس المظلمة وخباياها وحيلها الخادعة لتضليل "العقل" - الرادع الوحيد لها ومُربيها، نتبادلُ وصفات تقويم العقل وصقله لمجابهة شهوات نفوسنا المتخفية، نبحثُ دوافعها الخفية وراء الأعمال: كيف تكونت آرائنا؟ وما دوافع تلك النفوس التي ترفض صريح القرآن والسنة؟ كيف تكونت تلك الدوافع؟ وكيف خدعت هذه النفوس عقول أصحابها ومَنطَقَت لهم الإنحراف؟ كيف سلبت العقل أداته النقدية فأصبح مطيعًا لها دون تأنيب؟، نتعلّم كيف نقيد تلك الأسئلة ونناقش خطةالتعامل معها والبحث فيها، نُعدد الآيات المحفزة للتفَكُّر في النفس، نبحث في القرآن والسنة عن خصائص النفوس والعقول، نُعيد النظر في أشياءٍ كثيرة: عاداتنا الفكرية والعملية، ومشهور الآيات والأحاديث: نتدبرها كأنها المرة الأولى، نزيل رداء العادة القاتم عنها؛ لأن بإرتداء الشئ ثوب العادة يفقده جُل نفعه وأثره في النفوس، نتعلم آداب الطلب وآليات التعلم؛ لأن التعلم هو السبيل إلى غايتنا والإهتمام بتمهيد الطريق ومعرفة خواصه من لُب السعي إلى الغايات: فالغاية هي التزكية والوسيلة هي التعلم:

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ

غير مكترثين بما لا ينفع نفوسهم تزكيةً، يعيشون في محيطهم الخاص يتناولون من المواضيع والأهتمامات ما يناسب زادهم العلمي والنفسي، قريبون من المجتمع لكن بحكمة؛ فلا يدخلون معارك خاسرة، ينأون بنفوسهم عن الجدل المُنهك، يتفاعلون مع الأحداث بصمتٍ ومعالجة قلما تجدها بين المنهمكين في الحديث وكثرة التعليق وإبداء الآراء.

القاسم المشترك بين الجلساء هو الإيمان بأن النفس سلعة الإنسان الخاصة عليها يُحاسب وبها يصير، وأن تزكيتها غاية عليها مدار الأعمال كلها.