!زعلان من الهندسة
الإنسان المعاصر الذي أوغل في العلوم التجريبية لم يفعل شيئًا لفهم نفسه، فبقى الإنسان: ذلك المجهول
أنا لية ممكن اكون زعلان من الهندسة كعلم وطبيعة دراسة، ناهيك عن حال الدراسة في جامعاتنا العريقة "جدن"؟ لية الإنسان يحمل إشكالات كثيرة تجاه دراسته؟ لماذا لا أشعر بالمستوى المناسب من الطمأنينة تجاه دراسة الهندسة وطبيعة المشاكل اللي بتحلها؟ عيب في العلم أم عيب فيا ولا اية بالظبط؟
لو قطعت نفسي لدراسة الهندسة ووصلت أعلى درجات التخصص والحرفية والقدرة على حل المشاكل، ووهبت كل وقتي ومجهودي وقلقي وسعيي في الترقي والنمو في كاريير صناعة البرمجيات، اشتغلت في أصعب الأنظمة واشتغلت مع اشطر المهندسين.. هل هكون راضي ولا حاسس دايما إن فيه جزء ناقص؟
مين هيجاوبلي على الأسئلة الوجودية المهمة في حياتي كإنسان؟ هياكل البيانات معندهاش القدرة على إجابة سؤال "ما معنى الحياة؟"، النُظم الموزعة عاجزة عن إعطائي أي إجابة لسؤال "من أنا؟ ماذا أريد؟".. إلخ.
الجزء الإنساني أو القيمي أو الرسالي تقريبًا اختفى - أو بالأحرى لم يُوجد - في دراسة الهندسة أو العلوم الطبيعة بالجملة في عصرنا الحالي - بل العلوم الطبيعية دي كلها مُحملة برسائل وايدولوجيات وآراء مخترعيها والمساهمين فيها. هي جت على "أرمط" يعني اللي مش قادر يطوع العلوم دي بما يناسب إسلامه وثقافته؟!
النجاح الوظيفي في الحقول المعرفية دي لا يشتمل أي بُعد رسالي، وإنما كل الهم والانشغال بالمكتسب المادي ورفع المستوى المعيشي وتحقيق رضا العميل! هل الغاية دي قادرة إنها تحقق ذات الإنسان؟ هل ده سقف الممكن بتاعي؟
اية المعنى الحقيقي - غير المزيف - اللي قادر أضيفه لحياتي، الغاية المناسبة لإمكانياتي وواقعي اللي عايش فيه اللي هتحاسب عليها؟
طيب هل اعتزل الهندسة خالص واتمرد على الحضارة والتقدم المادي الهائل ده؟ هل الحل إني اخد شقة إيجار جديد مع طائفة المينونايت المسيحية في قلب غابات الأمازون وأمنع كل مظاهر الحياة الحديثة؟ هل احجر على واقعي واقنع ذاتي إني لا انتمي للحاضر؟
رغم عبثية مجتمع تويتر إلا إن العيال عندها مقدرة خيالية في وصف الواقع: صادفت تويتة من كام يوم بتقول "[المطوّر/المبرمج] اللي عايش في ألمانيا يقدر يطوّر كل حاجة إلا شخصيته"! هو ده اللي انا بدور عليه بالظبط. طبيعة الطريق ده متمركز حوالين تطوير المهارات العملية، وإني أتعلم تقنيات بسرعة، كل حاجة متمركزة حول "a as developer" / "as a software engineer" = انحصار واضح وجلي لشخصية الإنسان لو استمر على هذه الحالة.
الحقيقة، ده في حد ذاته مش عيب إطلاقا، إنما إني احصر حياتي وشخصيتي وأحلامي في القالب ده وميكونش فيه أي متنفس آخر ولا قادر أجرب معارف أخرى ولا قادر يكون ليا نصيب من المساهمة في أي شيء سوى مشاريع الشركة!
نصيحتي لنفسي ولأي حد لمسه الكلام، الحياة أوسع من الهندسة، الهندسة مقدور عليها - 20/80 - حاول تتذوق الحياة من ينابيع تانية بجانب الهندسة، اقرأ، احضر مناسبات، تفاعل مع الناس والبلد.. إلى آخره.
من جملة النقولات اللي بتتكلم عن نفس الفكرة: كلام الكسيس كارل في كتابه "الإنسان.. ذلك المجهول" يقول: "الإنسان المعاصر الذي أوغل في العلوم التجريبية لم يفعل شيئًا لفهم نفسه، فبقى الإنسان: ذلك المجهول"